الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

البيروقراطية وارادة الشعوب




بقلم:ابـــاء خفــــــاجــى
بادئ ذى بدى فان مصطلح البيروقراطية كان وما يزال من المصطلحات قليلة التداول فى الاوساط المجتمعية بل قد يعد مبهم المعنى عند ذكره كثيرا من الاحيان. رغما عن ذلك فان المدقق والباحث فى مدلول البيروقراطية يستشعر مدى اهمية تناوله بالدراسة والبحث. فمن حيث المدلول الحرفى او اللغوى فالبيروقراطية:ادارة شئون البلاد عن طريق المكاتب الوظيفية فى السلم الادارى (الهرم الوضيفى).

فضلا عن المفهوم اللغوى فالبيروقراطية في المحيط السياسي هى نظام الحكم القائم في دولة ما يشرف عليها ويوجهها حفنة من كبار المسؤليين ساعين بذلك الى تاصيل جذور هذا الحكم لما قد يخدم مصالحهم واهوائهم الى ان يضحو هم والنظام كتلة ﻻ تقبل التجزئة وعلى ذلك فالبيروقراطية تتطلب فى ممارستها كثيرا من السلوكيات والانماط هى فى حقيقتها تقيدا حرفيا بالقوانيين وتمسكا غير مبرر بظواهر النصوص ويتنج عن ذلك الروتين العقيم المعهود فى المؤسسات الحكومية.
ولكن ما علاقة ذلك بارادة الشعوب؟ تلعب البيروقراطية دورا جوهريا فى كبت واستئصال الارادة الشعبية فالبيروقراطية بمفهوميها اللغوى والسياسى تعد نقيضا للثورية والتغيير حيث تنتهى معها روح الابداع وتتلاشى فعالية الاجتهاد
ويبرز دور (ميشيل كروزيه) جليا فقد تناول فى كتاباته البيروقراطية ومدى علاقتهابالانسانية وارادة الشعوب ، حيث تفانى في اظهار العلاقة العكسية بين البيروقراطية والارادة الشعبية الثورية فانتهى اخيرا الى النتيجة الحتمية : كلما ازدادت البيروقراطية توحشا انعدمت في المقابل الارادة الشعبية والعكس صحيح نظرا لما تهدف اليه من تحقيق المصالح الشخصية ﻻصحاب السياسات قد يتسائل البعض عن الميلاد التطبيقى للبيروقراطية على الصعيد العملى ؟؟؟

 ولدت البيروقراطية بمفهومها الواسع وترعرعت في ظل الدولة الحديثة عن طريق تغذية الهيئات والمؤسسات الحكومية بعدد ليس بالقليل من الموظفين والسياسيين من اصحاب النفوذ ليس بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواه والنجاب التكنولوجى وغير ذلك من الاهداف السامية او كما اسميها في الواقع الملموس ((العبارات الجوفاء)) جوفاء لكونها فارغة من معانيها وعبارات لانها لم ترقى لمستوى التطبيق بعد. غير ان هذه النشاة المستحدثة للبيروقراطية ﻻ تنفى جذورها التاريخية فقد شهدت الحضارة الفرعونية والصين نوعا منها متاسسة فى ذلك على النظام العائلى والقبلى. وعلى الرغم من ارتكاز البيروقراطية وتوطيدها في المجتمع الاوربى في نهاية عصر النهضة الا انها كانت وما تزال مشكلة يتناولها علم الاجتماع السياسى بالتقنين اما لبتها من جذورها او للتغلب على ما ينشا عنها من عيوب . وعلى المستوى الشخصى ارى صعوبة كلا الحليين بل وان امكن الثانى فان القضاء عليها في ظل المجتمعات والانظمة السياسية العربية هو المستحيل مدونا على ورق.

ومن الجدير بالذكر ان وضع هذه القضية محل النقاش ليس بالامر الحديث،،، ((فكارل ماركس ))الفيلسوف الالمانى عد من اوائل من واجه البيروقراطية بالنقد حيث شبهها (بالدولة البرجوازية ) وهى طبقة اجتماعية ظهرت في القرنين ال15 و16 تمتلك رؤس الاموال فهى الطبقة الحاكمة غير العاملة في الانظمة الراسمالية .. ومع كامل التقدير فانى اختلف مع (كارل ) فان كانت البرجوازية تتفق مع البيروقراطية في كلا من متبعيهم يهدفون الى تحقيق مصالحم الشخصية ،، الا ان الاختلاف يبت فيما بينهم فى كون البرجوازية تتكون من الطبقة المسيطرة الحاكمة غير العاملة اصحاب رؤس الاموال فعلى النقيض نجد البيروقراطية قد تتمثل في مختلف الطوائف من الموظفين والمرؤسين والسياسيين العاملين حتى وان اقتصر الانتاج فى بوتقة تحقيق المصالح الشخصية فقط. من المسلم به ان لكل نظام مؤيديه ومعارضيه فنجد (لينين) من اشد المتحيزين للبيروقراطية ومدى ارتباطها بالانظمة الثورية وكانت عاقبة ذلك ان واجة الكثير من سهام النقد على راسها دعوته للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعى السوفييتى 1912 والذى انحصرت اهدافه في الحد من البيروقراطية والسعى لجعل المناصب السياسية تشغل بالنتخاب دون التعيين.

لم يتوقف الامر عند هذا الحد فلعبت افكار وكتابات ((جون ستيوارت مل)) ((وماكس فيير)) دورا جوهريا في تقنين الفكر البيروقراطى وعلى الرغم من العيوب المستفيضة المنبعثة من تطبيق الفكر البيروقراطى الا انه من غير اللائق اهدار النظام والفكر البيروقراطى باكمله ،، فلا يوجد نظام منعدم المزايا والافكار السامية .. ومن جانبنا نرى ان التوفيق بين البيروقراطية وارادة الشعوب فى نطاق مصطلح جامع (( البيروقراطية الثورية)) امرا ممكن التحقيق وان لم يكن بالامر الهين، ويتمثل فى اتباع النقاط الاتية : ★الخروج بالبيروقراطية من حيز الراسمالية المطلقة الى النظام المختلط مع كامل الحذر من الانحراف للاشتراكية السوفيتية. ★عدم التقيد بظواهر النصووص والانسياق وراء التعقيد المفروض من قبلها عن طريق العمل من خلال ما توجبه السلوكيات المنتجة في اطارها القانونى. ★الخروج من بوتقة الروتين المكتبى الى العمل الجاد مع تحقيق تكافؤ الفرص. ★جعل المساواه عنوانا لكل المؤسسات الحكومية والغير حكومية سواء من حيث شغل الوظائف فتكون بالمسابقات دون التعيين ((( وهو ما حققه قانون الخدمة المدنية المصرى رقم18 لسنة 2015 ))) او من حيث الترقية فتكون بالاختبار والاجتياز دون النظر لمدة مكوث الموظف في درجته الوظيفية.

وعلى الصعيد السياسي ارى مصر فى طريقها لتحقيق تلك الاهداف وتجنب عيوب البيروقراطية وذلك من خلال التشريعات الحديثة بعد 30 يونيو عن طريق الانماء الفكرى وبث روح الديموقراطية من جديد ونشر مفهوم الارادة الشعبية. ليس ادل على ذلك من نص (المادة الاولى من دستور 2014) حيث اكدت على ديموقراطية الجمهورية وفى (المادة الرابعة) على كون السيادة لارادة الشعب وانه مصدر السلطات ومحقق الوحدة الوطنية القائمة على المساواه وتكافؤ الفرص وقانون الخدمة المدنية رقم18 لسنة 2015 قفزة في عالم البيروقراطية الشعبية والديموقراطية الحرة حيث حرص فى نصوصه على ان الكفاءة هى العامل الاول فى التمكين مش شغل الوظائف. اضف الى ذلك توقيع مصر على اعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية الذي اصدرته الامم المتحدة . 

اخيرا : فانا نامل ان يستمر القطار التشريعى في السير نحو الديموقراطية المقننة ولتحقيق البيروقراطية المؤسسة على الارادة الشعبية متمثلة في اعلان السيادة الشعبية .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق